spot_img

ذات صلة

جمع

المحكمة الاتحادية.. قرارات على الطلب، وتفسيرات حسب المصلحة!

في كل دول العالم، تُعد المحاكم الدستورية والاتحادية صمّام...

“تيار قضيتنا” مواجهة قانونية ضد الفساد والتعديات على حقوق المجتمع

في خطوة تعكس الوعي القانوني والسياسي المتصاعد في العراق،...

النفط يقفز مع عدم إحراز تقدم في المحادثات الروسية الأوكرانية

ونظرا لأن "آيفون إس إي" الجديد فيه ذاكرة وصول...

الحرب الأوكرانية الروسية تهدد “سلة خبز العالم”

ونظرا لأن "آيفون إس إي" الجديد فيه ذاكرة وصول...

معارضة على مقاس واشنطن: حين تصبح الوطنية سلعة تُباع في مزادات السياسة!

في مشهدٍ يبدو وكأنه مقتبس من كُتب الهزيمة السياسية، تتصدر المعارضة العراقية في الخارج مشهدًا عبثيًا يُعيد إنتاج أخطاء الماضي، ولكن هذه المرة برعاية أمريكية مباشرة.
هناك فارق جوهري بين المعارضة الحقيقية التي تنطلق من إرادة الشعوب، وبين تلك التي تُصنع في مكاتب المخابرات الأجنبية، وتُبرمج لتكون نسخةً أكثر طاعةً ومرونةً من النظام الذي تدّعي محاربته.

هؤلاء الذين يدّعون أنهم يمثلون الشعب العراقي، لا يعيشون بينه، ولا يسمعون صوته، ولا يشاركونه معاناته اليومية. بدلاً من ذلك، يتسكعون في ممرات الكونغرس، ويتنقلون بين العواصم الغربية بحثًا عن تأييد يُمكّنهم من تسلم السلطة، ليس عبر صناديق الاقتراع، بل عبر صفقاتٍ تُطبخ في دوائر النفوذ الأمريكية. هذه ليست معارضة، بل هي وظيفة مدفوعة الأجر في مشروعٍ استعماري جديد، حيث يكون العراق مجرد تفصيل ثانوي في معادلة أكبر تهدف إلى إبقائه خاضعًا.

حين تصبح المعارضة امتدادًا للمحتل

المعارضة العراقية في الخارج لم تعد معارضة، بل تحولت إلى نسخة معدلة من الاحتلال نفسه. فكما جاءت واشنطن بنخب فاسدة بعد 2003 لتدير العراق بالوكالة، اليوم تُعيد الكرّة نفسها ولكن بأسماء جديدة، تحمل نفس العقلية، وتنتمي إلى نفس المدرسة: مدرسة الطاعة العمياء لمن يملك النفوذ، حتى لو كان ذلك على حساب سيادة العراق ومستقبله.
هؤلاء لا يريدون ديمقراطية حقيقية، بل يريدون سلطة تُمنح لهم دون جهد. لا يريدون إصلاحًا سياسيًا، بل يسعون لإعادة تدوير الاحتلال بواجهة “مدنية” جديدة. ولو كانوا جادين في تغيير العراق نحو الأفضل، لكانوا بين الناس، في بغداد والبصرة والنجف والموصل، يناضلون كما يناضل أي معارض حقيقي، لا كمتعاقدين سياسيين يتلقون رواتبهم من مؤسسات أمريكية تدّعي دعم الديمقراطية بينما ترعى مشاريع الفوضى.

معارضة الفنادق لا تصنع ثورات، بل تصنع احتلالات جديدة

التاريخ لم يشهد يومًا أن تغييرًا حقيقيًا جاء على يد معارضة تعتمد على الأجنبي. من فيتنام إلى أمريكا اللاتينية، كل من راهن على واشنطن ليصل إلى الحكم، اكتشف متأخرًا أنه لم يكن سوى أداة تُستخدم ثم تُلقى في سلة المهملات حين ينتهي دورها. الفرق الوحيد بين هذه المعارضة ومن سبقها، أن الأقنعة باتت أكثر رُقيًا، والخطاب أصبح أكثر تلميعًا، لكن الجوهر لا يزال كما هو: خدمة الأجنبي مقابل وعدٍ بالسلطة.

هؤلاء لا يريدون تغييرًا، بل يريدون مقاعد في حكومة شكلتها واشنطن، تملي عليهم سياساتها، وتوجههم وفق مصالحها. يطالبون بحقوق الإنسان بينما يتجاهلون القواعد العسكرية الأمريكية على أرض العراق. يتحدثون عن سيادة القانون بينما يتغاضون عن الجرائم التي ارتكبها الاحتلال. ينتقدون الفساد في الداخل بينما تموّلهم جهات معروفة بتدمير دول بأكملها.

حين يصبح الوطن سلعة تُباع لمن يدفع أكثر

المعارضة الحقيقية تنشأ من رحم الشعوب، لا من أروقة السفارات. أما هذه “المعارضة”، فهي لا تختلف عن أي شركة علاقات عامة تتولى مهمة تلميع مشاريع الهيمنة. اليوم يهاجمون النظام العراقي لأنه لا يناسب المصالح الأمريكية بالكامل، وغدًا سيدافعون عن أي نظام جديد تفرضه واشنطن، مهما كان فاسدًا أو قمعيًا.

هؤلاء لم يأتوا ليحرروا العراق، بل جاؤوا ليكونوا وسطاء بين الشعب وسيده الجديد. هم ليسوا جزءًا من الحل، بل هم جزءٌ من المشكلة، بل وربما أفظع حلقاتها. المعارضة الحقيقية تُبنى بالدم والتضحية، لا بالسفريات المدفوعة والفنادق الفاخرة. والتغيير الحقيقي لا يأتي عبر “مشاريع الديمقراطية الأمريكية”، بل يأتي من الإرادة الشعبية التي لا تُباع ولا تُشترى.

التاريخ لا يرحم العملاء، والشعوب لا تغفر الخيانة

حين يسقط هؤلاء من حسابات واشنطن، كما سقط من سبقهم، سيجدون أنفسهم مجرد أسماء تُذكر في الهوامش، بلا تأثير، بلا كرامة، وبلا تاريخ. لأن الشعوب، وإن تأخرت، لا تنسى. ومن يبيع وطنه، لن يجد له مكانًا فيه عندما تعود السيادة لأصحابها الحقيقيين.

spot_imgspot_img